محمود خليل خيرى
نقاط : 66 عدد المساهمات : 12 تاريخ التسجيل : 13/08/2010 العمر : 35
| موضوع: توحيد الله السبت سبتمبر 18, 2010 5:10 pm | |
| توحيد الله معناه وأقسامه
الله – سبحانه – واحد في ذاته ، ليس له مثيل ولا نظير ، تعالى عن الصاحبة والولد ( قل هو الله أحد – الله الصمد – لم يلد ولم يولد – ولم يكن له كفواً أحد ) [ الإخلاص : 1-4 ] وهو سبحانه متصف بصفات الكمال ، لا يشبهه شيء من مخلوقاته في صفة من صفاته : ( ليس كمثله شيءٌ وهو السَّميع البصير ) [ الشورى : 11 ] وهو وحده الخالق المحيي المميت قيوم السماوات والأرض ، ولا يعد مؤمناً من لم يعلم علماً يقينياًً بأن الله متفرد بذلك كله . لا يكفي التوحيد العلمي ، بل لا بدّ من التوحيد العملي : تناقض الذين لا يعبدون الله وحده : والكفرة من مشركي العرب وكثير غيرهم كانوا يعتقدون بوحدانية الله في الخلق والإيجاد ، وتفرده في الرزق والإحياء والإماتة والملك ، ولكنهم يرفضون عبادته وحده دون غيره ، وقصده دون سواه ، وهذا تناقض شنيع ، فالمتفرد بالخلق والإيجاد هو المستحق للعبادة والخضوع والتعظيم ، وقد أطال القرآن في مناقشة المشركين وبيان تناقضهم في هذا وبين لهم أن الذي أقروا به من تفرده بالخلق والرزق ... إلخ يلزمهم بعبادته وإخلاص الدين له . --------------------------------
(1) التوحيد الحق : الاعتقاد بوحدانية الله سبحانه في ذاته وصفاته ، ثم عبادته وحده لا شريك له ، وقد حرف هذا المفهوم ، فزعم قوم أن التوحيد يقتضي نفي صفات الله ، لأنه يلزم منه بزعمهم تعدد الواجب ، وزعم بعض الصوفية أن التوحيد الذي أشرنا إليه توحيد العامة ، أما توحيد الخاصة فهو الذي يثبت بالحقائق ، وزعموا أن هناك توحيد خاصة الخاصة ، وكل ذلك ضلال .
إلا أن هذا التوحيد النظري لا يكفي كي يعد المرء مؤمناً ، بل لا بد من اتخاذه وحده إلهاً معبوداً بالتوجه إليه بالعبادة دون سواه . لأن الخالق الرزاق المنعم المتفضل المحيي المميت المتصف بصفات الكمال المنزه عن صفات النقص هو المستحق أن يُعبَد دون سواه ، فغيره مربوب مألوه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فكيف يعبد من دون الله تعالى ؟
( لا إله إلا الله ) كلمة التوحيد ، جمعت الإيمان واحتوته ، وهذه الكلمة عنوان الإسلام وأساسه . ومعناها : لا معبود يستحق العبادة إلا الله سبحانه ، وقد أخطأ من فسرها بأنه لا موجود إلا الله ، لأن معنى الإله : المعبود ، فيصبح المعنى بناء على قول هؤلاء ، لا معبود موجود إلا الله ، وهذا غير صحيح ؛ لأنه يلزم منه أنّ كلّ معبود بحق أو باطل هو الله ، فيكون ما عبده المشركون من شمس وقمر ونجوم ... إلخ هو الله ، فكأنه قيل : ما عُبِد على هذا التقدير إلا الله ، وهذا من أبطل الباطل .
فالمعنى الصحيح المتعين هو ما ذكرناه أولاً : أنه لا معبود يستحق العبادة إلا الله وحده . وقد جاءَت النصوص دالة على فضل ( لا إله إلا الله ) ، وعظيم نفعها ، وقد سبق ذكر النصوص الدالة على أن من قال : ( لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة ) . وبهذه الكلمة يعصم العبد ماله ودمه ، ويصبح مسلماً . ولكن ليس المراد بهذه الكلمة مجرد النطق ، فلا تنفع هذه الكلمة قائلها عند ربه إلا بسبعة شروط :
1- العلم بمعناها : قال تعالى : ( فاعلم أنَّه لا إله إلاَّ الله ) [ محمد : 19 ] وقال : ( إلاَّ من شهِد بالحق وهم يعلمُون ) [ الزخرف : 86 ] .
وفي الصحيح عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ) . (1)
2- اليقين : بأن يكون القائل مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً ، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا اليقين لا الظن ، قال تعالى : ( إنَّما المؤمنون الَّذين آمنوا بالله ورسوله ثُمَّ لم يرتابوا ) [ الحجرات : 15 ] فاشترط في صدق إيمانهم كونهم لم يرتابوا ، أي لم يشكوا ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما فيحجب عن الجنة ) . (2)
وفي الصحيح أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل أبا هريرة بنعليه قائلاً له : ( من لقت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة ) (3) فاشترط دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاكّ فيها ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط .
3- القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ، وقد حدثنا القرآن أن الله عذب المكذبين من الأمم الذين رفضوا هذه الكلمة ، واستكبروا عنها : ( إنَّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاَّ الله يستكبرون – ويقولون أئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لشاعرٍ مجنون ) [ الصافات : 35-36 ] جعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله ، وتكذيبهم من جاء بها .
4- الانقياد لما دلت عليه ، قال : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) [ الزمر : 54 ] وقال : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسنٌ فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [ لقمان : 22 ] ، ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن ؛ أي موحد ، والعروة الوثقى فسرت ( بلا إله إلا الله ) .
5- الصدق : وهو أن يقولها صادقاً من قلبه ، يواطئ قلبه لسانه ، قال الله عزّ وجلّ : ( ومن النَّاس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين – يخادعون الله والَّذين آمنوا وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون ) [ البقرة : 8-9 ] . فهم كاذبون في قولهم، يبطنون غير ما يعلنون ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ) (4) ، فاشترط في النجاة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه .
6- الإخلاص : وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ، قال الله تعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) [ الزمر : 3 ] وقال : ( وما أمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) [ البينة : 5 ] . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ونفسه ) . (5)
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عزّ وجلّ ) . (6)
7- المحبة : لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك ، قال الله عزّ وجلّ : ( ومن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أنداداً يحبُّونهم كحب الله والَّذين آمنوا أشدُّ حبّاً لله ) [ البقرة : 165 ] فأخبر أن عباده المؤمنين أشد حباً له ، وذلك لأنهم لم يتخذوا من دونه أنداداً ، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه ، وإن خالفت هواه ، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه ، وموالاة من والى الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه الله ورسوله ، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه .
إشارة السلف إلى بعض هذه الشروط :
قال الحسن البصري للفرزدق – الشاعر المعروف – وهو يدفن امرأته : ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة . قال الحسن : نعم العدّة ، لكن للا إله إلا الله شروطاً ، فإياك وقذف المحصنات .
وقيل للحسن البصري : إن ناساً يقولون : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فقال : من قال : لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
وقال وهب بن منبه لمن سأله : أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال : بلى ، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان ، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك .
---------------
(1) رواه مسلم : 1/55 ، ورقمه :26 . (2) رواه مسلم : 1/57 . ورقمه : 27 . (3) رواه مسلم : 1/60 . ورقمه : 31 . (4) رواه البخاري : 1/226 . ورقمه : 128 . (5) رواه البخاري : 1/193 . ورقمه : 99 . (6) رواه البخاري : 1/519 . ورقمه : 425 .
توحيد الله
من قراءاتى | |
|